الاثنين

كمائن الطوب.. وداعا ضفاف النيل

بعد عام من قرار السلطات السابق الذي قضى فيه بضرورة ايقاف نشاط كمائن الطوب على ضفاف النيل بحجة ضررها البيئي جدد مجلس وزراء حكومة ولاية الخرطوم نهاية الاسبوع الماضي قراره الخاص بحظر نشاط كمائن الطوب بالمنطقة الحضرية وذلك بسبب الاضرار الصحية والبيئية وشكاوى المواطنين من آثارها السالبة وقرر المجلس ازالة اي «كمينة» باستخدام الشرطة واتخاذ الاجراءات القانونية حيال المخالفين. 

«الصحافة» التقت بمجموعة من اصحاب الكمائن الذين ابدوا استياءهم من القرار الذي كان قد صدر سابقا مؤكدين انه سيلحق اضرارا بالمنتجين، خاصة ان هذه الكمائن تعتبر مصدر رزقهم الوحيد، وقالوا ان اسباب الازالة ليست خوفا من التلوث البيئي ولكن لاغراض متعلقة بميزات اراضي الكمائن المطلة على النيل والاستفادة منها في مشاريع اخرى ولكن لمزارعى منطقة العجيجة التى تقع بالقرب من الكمائن حديثا آخر، فهم يؤيدون قرار الازالة بحجة ان الكمائن اثرت على عملية التلقيح. وتحدث الينا احد المزارعين الذى فضل حجب اسمه قائلاً: كمائن الطوب تؤثر على عملية التلقيح خاصة عندما ينبعث منها الدخان فى الفترة الصباحية، فهذه الغازات والدخان وارتفاع درجة الحرارة تساهم فى طرد الحشرات التى تقوم بنقل حبيبات اللقاح، مؤكداً ان الكمائن عامل اساسى من عوامل انخفاض الإنتاج الزراعى، ومن ناحية اخرى ادت الى رحيل عدد ليس بالقليل من سكان تلك المنطقة من تأثير الدخان عليهم الذى تسبب في أمراض الحساسيات والربو اضافة الى سلوكيات العمال. 

وكان للمهندسين والمقاولين حديث عن ذلك القرار ومدى تأثيره على صناعة المباني وقال عبد الجبار احد المقاولين بمنطقة امدرمان ان اسعار الطوب زادت بعد قرار حظر الكمائن وهذا يؤدى الى ارتفاع تكاليف المباني وخاصة ان موسم الخريف على الابواب وهو موسم توقف انتاج الطوب من الكمائن وان معظم اصحاب المباني يفضلون طوب الكمائن على طوب البلوك الاسمنتي وذلك لميزات معمارية وبيئية ومن جانبه قال المهندس المعماري وليد عشميق ان اسعار الطوب ستزيد لان نقل الكمائن في اماكن بعيدة سوف يزيد تكاليف النقل والترحيل وبالتالي ستزيد تكاليف صناعة الطوب الى جانب ان اسعار طوب البلك ايضا ستزيد لان الطلب عليها سيكون عاليا وبهذا تتفاقم المشكلة لان هنالك اصحاب كمائن يغيرون نشاطهم والنقل الى اماكن بعيدة يكلفهم اضافة الى ان صناعة الطوب بالغاز او الكهرباء مكلفة ولايستطيع اصحاب الكمائن مجابهتها بالتالي يضطرون الى تغيير نشاطهم، ويرى عشميق ان الحلول الممكنة ان تدخل الدولة بالمشاركة في صناعة الطوب من خلال ادخال الوسائل الحديثة مثل الغاز والكهرباء والالتزام بالمواصفة للطوب لان الموجود الان بالاسواق غير مطابق للمواصفات ويتم صناعته بشكل بدائي وايجاد حالة من الثقة بين الحكومة واصحاب الكمائن وتجار الطوب ضرورة لتطوير هذا الجزء من قطاع العقارات ومنع حالة عدم الاستقرار في الاسعار الموسمية. 

وبحسب افادات سابقة للأمين العام للمجلس الاعلى للبيئة سعد الدين ابراهيم في ذات الموضوع من العام المنصرم انه حتى الآن لم يتم التخلص من الحرق المكشوف نهائياً، واكد سعي المجلس للتخلص من كل الملوثات الثابتة، واضاف انه عند حل القضايا البيئية لا بد من التوعية اولا ثم ايجاد البدائل ومن ثم اللجوء الى القانون، بالاضافة الى اشراك جميع الاطراف. ودعا الى التقليل من استهلاك الاخشاب سواء في الكمائن او في البناء، باعتبار ان السودان اصبح تحت خط الفقر الغابي بعد انفصال الجنوب، مبينا ان الغابات في السودان اصبحت تمثل 11% فقط، واقترح عمل دراسة لانتاج الطوب من الرمال. واضاف انه في ولاية الخرطوم فإن الامر يحتاج الى عمل على المدى الطويل والقصير، داعيا الى عمل دراسة لايجاد حلول في هذا الاطار، واشراك كل الجهات المختصة بما فيها اصحاب الكمائن. 

وفي سياق متصل يقول الباحث والدكتور ناصر عباس ان الدراسات الطبية اشارت الى ارتفاع نسب الاصابة بسرطان الثدي والبروستاتا وسط السكان على ضفاف النيل ويمكن ان تكون لملوثات كمائن الطوب علاقة بارتفاع نسب الاصابة مشيرا الى خطورة المواد المنبعثة من حرق الطوب خاصة الدايوكسين، قائلا انه من الملوثات الاكثر خطورة، مبيناً أن كيلوجراماً واحداً منه يقتل حوالى مليون شخص، والدايوكسين نفسه الناتج عن حرق الطوب يعتبر اكثر خطورة على البيئة. 

وتشير مراكز بحوث ودراسات الى ان مادة الدايكوسين تتكون من مجموعة من مركبات كيميائية عضوية قد تصل لدى نموها إلى المئات، وهي مواد ذات سمية عالية وتتكون نتيجة عمليات الحرق، حيث تتكون بشكل غير مباشر من تفاعلات المواد المحتوية على مجاميع، كما يتولد الدايكوسين من توفر المواد والظروف الملائمة مثل الحرق المفتوح للنفايات وحرق النفايات المنزلية ومن خلال انبعاث دقائقه في الأجواء وانتشاره في الهواء، ومن ثم يصل إلى الأرض بوسائل عديدة منها الرياح والأمطار والغبار، حيث يتجمع على سطح الأشجار والنباتات ومن ثم يدخل إلى السلسلة الغذائية للإنسان والحيوان. 

كما يصل الدايكوسين إلى الأجسام عن طريقي الطعام والتنفس، ويكون تسلسل كميته في أنواع الطعام مثل لحوم البقر ومنتجات الحليب ومشتقاته ولحم الدجاج والبيض والأسماك، وهذه تشكل نسبة 97.5 في المئة من كمية مصادره الداخلة في الأجسام، حيث يتجمع في الأنسجة الدهنية والشحمية ويذوب فيها. 

وكذلك يوجد في الكبد، ولا يتحلل بفعل البكتيريا العضوية، ولا يتفاعل مع الأوكسجين، ولديه القابلية للارتباط مع المركبات العضوية الموجودة في التربة. ولهذا يتصف بشكل عام باستمرارية عالية، ما يزيد من درجة خطورته على الإنسان والبيئة، وأهم مخاطره أنه يسبب السرطان والعقم عند الرجال والنساء والإجهاض وتدني مستوى الذكاء لدى الأطفال والإصابة بداء السكري ومشكلات في الرئة وأمراض جلدية، كما يؤثر في عمل الغدد الصماء والهرمونات ويحدث تشوهات خلقية. 

وقال مدير ادارة الخدمات الزراعية جمال عباس العجب، إن كمائن الطوب تؤدي الى تدهور البيئة الزراعية وتجريف التربة، اضافة الى نقص العناصر الغذائية المجلوبة موسميا مع الطمي، وقال ان الغازات المنبعثة من الروث وارتفاع درجة الحرارة تؤثر على تلقيح النباتات المزهرة، ما يؤدى الى انخفاض انتاجية المحاصيل، اضافة الى تأثر المواطنين المجاورين لتلك الكمائن بسبب سلوكيات العاملين الذين يقضون حاجتهم فى العراء، ما يسبب كثيراً من الامراض وتلوث الجو، كما أن تمدد الكمائن نحو الريف الشمالى اكبر مهدد للشريط النيلي، وفي وقت سابق ان وزارة الزراعة اصدرت قراراً بايقاف عمل الكمائن، علماً بأنها ليست الجهة التى تعطى تصاديق لاصحاب الكمائن، فهيئة البحوث الجيولوجية التابعة لوزارة الطاقة هى الجهة التى تمنع وتعطى، لكن هيئة البحوث الجيلوجية أرجعت هذا الامر الى وزارة الزراعة التى تعاملت مع اصحاب الكمائن بقانون تجريف الارض، وواجهت الوزارة معارضة من قبل أصحاب الكمائن بأنها ليس الجهة التى أعطتهم التصاديق حتى يستجيبوا لها والآن محلية كررى أصبحت أمام أمر واقع، بأن هؤلاء يمارسون مهنة ولا بد من ايجاد حلول بديلة بإيجاد أماكن بديلة لأصحاب الكمائن بعيداً عن سكن المواطنين، إضافة الى تشغيل الكمائن بالغاز حتى يمكن المحافظة على الغطاء النباتي. 

وبعد جدل وكر وفر حسمت ولاية الخرطوم امرها بحظر نشاط كمائن الطوب لتمضي خطوة في اتجاه سلامة البيئة ولكن ينتظر ان تمضي ولاية الخرطوم في خطوات اخرى تتعلق بصناعة الطوب وضرورة تطوير صناعته ودخول الحكومة كعامل مساعد في تحديث مصانع الطوب المصنع بطاقة الغاز او الكهرباء وتحديد المواصفة التي تتطلب نمو وتطور القطاع العقاري والتى تعتبر ولاية الخرطوم الاكثر نشاطا معماريا فيه والا فإن خطوتها تعتبر ناقصة واضافة الى اعباء اخري يتحملها المواطن.

الصحافة