الأربعاء


بعد ان شهد قطاع العقارات كسادا عظيما في جميع انحاء العالم تقريبا يطرح التساؤل حول عدم استجابة ذلك القطاع في السودان للازمة العالمية ، يطرح نفسه بشدة. لقد استمعت في أثناء تلك الازمة المتصاعدة لمسئول سوداني في القطاع المعني و هو نائب المدير في اراضي واحدة من المدن الثلاث المكونة للعاصمة الخرطوم يتحدث لاذاعة ال ( BBC ) يستبعد تأثر القطاع العقاري السوداني بالأزمة. لقد برر ذلك المسئول قناعته تلك بتكالب المستثمرين الاجانب علي العقارات و الاراضي في السودان و كان ذلك في رأيه سببا مناسبا لعدم هبوط اسعار العقارات السودانية و لكن اقوي حججه و اشدها موضوعية هي تلك التي تربط ارتفاع اسعار العقار بضخامة الاستثمار الحكومي في ذلك القطاع . لكن كل تلك المبررات لن تعطي تفسيرا مناسبا للارتفاع الشاذ ( Odd ) في اسعار المنازل و الاراضي في السودان مما يجعل البحث عن تلك الاسباب و تفسيرها امرا ملحا اضافة لمشروعيته. لا زال حلم أي سوداني هو اغتناء قطعة ارض و من ثم بنائها بمنزل يضمن السكن المستقر لاسرته و لكن ذلك الحلم بالنسبة لغالبية اهل السودان لا زال محلقا في السحاب. المقصود طبعا ليس اقامة منزل عشوائي او السكن الذي لا قيمة له و انما بناء منزل بمواصفات انسانية توفي الحد الادني من العيش الكريم.
الاسباب كثيرة لما ذكرنا و اهمها السياسة الحكومية نفسها التي تفرض رسوم جسيمة علي امتلاك الاراضي و بنائها لدرجة تجعل الكثير من الذين يتطاولون في البنيان يتجنبون الدوائر الحكومية الرسمية في الحصول علي المستندات الرسمية التي تكفل الحقوق و هي رسوم من الضخامة بحيث يصعب فهمها او استيعابها في اطار للحكم الرشيد الذي يضع حقوق المواطن في أولوياته. الجانب الاخر هو الخطط الإسكانية و طريقة توزبع الاراضي التي هي اشبه بالمضاربات منها بتوفير قطعة بسعر مناسب و من الادلة علي ذلك الاراضي الاستثمارية او البيع التجاري او حتي الاسكان الشعبي. من اسباب ارتفاع اسعار العقارات و الاراضي في السودان ارتفاع تكاليف الانتاج و المخاطر الكبيرة المصاحبة لاستثمار الاموال في القطاعات المنتجة مما يؤدي الي التخوف الكبير من فقدان الاموال ان هي ذهبت الي السوق في استثمارات بديلة مما يجعل الارض و العقار بدائل مضمونة للاستثمار و الحفاظ علي الاموال و تنميتها. كما ان بناء منزل و ايجاره او ايجار جزء منه او انشاء محال تجارية بالمنزل و ايجارها يعتبر سياسة معتمدة من غالبية الذين يملكون فائض ما و يريدون استثماره.
 يضاف لكل ما اوردنا  مضاربات السماسرة و تجار العقارات في قطاع هو الاكثر جاذبية في الاقتصاد السوداني علي المستوي المتوسط و فوق المتوسط من اصحاب الفائض. و لا ننسي ان نضيف لذلك ضعف الجهاز المصرفي السوداني و عدم جاذبية الودائع الاستثمارية و ودائع الادخار بالمستوي المطلوب الذي ينمي من الودائع المصرفية من جهة و يعطي مردودا مناسبا للمودعين تقترب و لو قليلا من عائدات استثمار الاموال في البديل العقاري. اما في ما يتعلق بشهامة فهي بالرغم من كونها خيارا مناسبا و مجزيا للاستثمار علي المدي القصير و لكنها لا تشكل الا هدفا محدودا لقلة من المستثمرين اضافة لمحدودية تداولها في سوق الخرطوم للاوراق المالية و صعوبة الحصول عليها و لعدم الوعي الادخاري في مثل تلك الاوراق اضافة لارتباطها بالحكومة و الذي في حد ذاته يعتبر عاملا مرفوضا لشريحة واسعة من المستثمرين نكاية في كل الحكومة نتيجة لحبل الود و التواصل الذي يربط بين المواطن و كل ما هو حكومي غض النظر عن التأييد السياسي او المعارضة. في هذا المجال لا زلت التقي كثيرا بعدد كبير من مؤيدي الحكومة الذين لا يتطرق اليهم الشك و المستفيدين من نعمها بشكل مباشر و يعتبرون ان ذلك يؤهلهم اكثر من غيرهم لتجاوز الاجراءات الحكومية الرسمية خاصة المرتبطة بالرسوم و التراخيص او يعطيهم الحق في عدم دخول البيوت من ابوابها و هذا امر اضافي يمكن ادراجه ضمن زيادة التكاليف الحكومية. ان امر قطاع العقارات و ما يتبعه من بناء و تشييد يجب ان يراجع خاصة بعد دخول مصانع الاسمنت الجديدة في العمل.  سيتبع ذلك العديد من الانتاج المرتبط بمواد البناء و من المفترض ان يزيد ذلك من المنافسة و جودة الانتاج و اتساع سوق تلك المواد داخليا و فتح منافذ لها الي الخارج. و ما دامت الحكومة نفسها هي التي فتحت الباب امام تلك الاستثمارات فمن باب اولي ان تستمر في تشجيعها و ان تكف يدها عن توسيع شهية الجباية و سيكون ذلك من مصلحة الجميع الحكومة و المستثمر و المواطن لان الارباح سترتفع و سترتفع معها الايرادات الضريبية وفقا للضرائب المباشرة علي الارباح و سيزداد الاستهلاك مما يزيد من الضرائب غير المباشر و يخلق ذلك فرص للعمالة و يزيد من الدخول و الفائض و يؤدي الي انخفاض اسعار مواد البناء و الاراضي و العقارات الي مستويات طبيعية، و الجميع في انتظار نتائج دخول مصانع الاسمنت الي السوق و مزيدا من الوفرة و الإنتاج التي تصب في مصلحة المواطن.