الأربعاء

صيانة خدمات الأبراج.. إشكالية تلوح في الأفق




  • السودان حديث عهد بالأبراج السكنية.. عشرات الأبراج التي تكاد تناطح السحاب أخذت تنتشر في سماء العاصمة، وهي عبارة عن شقق سكنية متباينة التشطيب منها الفاخرة، ومنها العادية.. ولكن لحظنا أخيراً وجود بعض الإشكالات تفاجأ لها السكان بعد استلامهم للشقق، منها ما يتعلق بالعقودات وبعضها يختص بالخدمات المشتركة.. التحقيق التالي يناقش هذه المشكلة.
    ......
    الأبراج.. لماذا؟
    مع الطفرة الاقتصادية التي شهدها السودان منذ أكثر من ست سنوات انتشرت ظاهرة عقارية جديدة في العاصمة الخرطوم وهي قيام الأبراج السكنية وتركزت بمواقع مميزة بالخرطوم. فبعد أن كان السودانيون بطبعهم يسكنون المنازل ولا يطيقون سكن الشقق مهما كانت فاخرة إلا أن عدة عوامل بالإضافة الى الطفرة العقارية شجعتهم على التحول من سكن المنازل الى الشقق العالية. ومن هذه العوامل النزوح الضخم الذي حدث بالعاصمة إذ تضاعف سكانها أكثر من مرتين خلال الأعوام العشرة الماضية ليصل الى نحو (7) ملايين نسمة.. فرغم أن المدينة توسعت أفقياً في مساحات شاسعة إلا أن البعض سكن بوسط المدينة وفضلوا البقاء فيها والتوسع رأسياً مع تزايد عدد أفراد الأسرة عبر الأجيال المتلاحقة.. وسبب آخر لرغبة السودانيين في امتلاك شقق عودة بعض المهاجرين المقيمين في بلاد المهجر، فبعد أن حسَّنوا أوضاعهم المادية أضحوا راغبين في امتلاك عقار في وطنهم وربما هذه الشريحة بحكم أنها إعتادت على سكن الشقق في بلاد المهجر هي التي مهدت الطرق لتحول السودانيين من سكن المنازل الى سكن الأبراج والشقق.
    ومع انتعاش سوق العقار نشط مستثمرون عديدون للولوج لهذا السوق وتوسعوا في مجال تشييد الأبراج السكنية من بينهم مستثمرون أجانب، والمصريون كانوا أول من دخل سوق العقارات في السودان إذ برز وجودهم قبل نحو (4) سنوات وأنشأوا أبراج الحجاز في مواقع مختلفة بمدن الخرطوم فضلاً عن انتشار العمال المصريين في مواقع البناء بصفتهم الفردية، والصينيون أيضاً انتشروا بدرجة كبيرة في مواقع البناء والتشييد كشركات مقاولات.
    وبرغم هذا الانتشار الواسع والكبير لشركات العقارات وتعدد الأبراج السكنية التي بدأت تشيد في مواقع مميزة بالخرطوم والإعلان عن إقامة مدن سكنية متكاملة بأطراف العاصمة مثل مدينة النسيم بشرق النيل والياسمين بالخرطوم ومدينة الأراك بسوبا إلا أن جذوة الإقبال على الشراء انخفضت بصورة كبيرة إذ بدأت تظهر العديد من المشكلات بعد تمليك الشقق لم يكن يضعها المالكون أو المشترون في الحسبان حيث اصطدم المشتري بعقبة التمويل إذ يضع المالك شرطاً جزائياً بالعقد المبرم بينه والمشتري بعدم التسليم إلا بعد سداد جميع الأقساط وإذا لم يلتزم بالسداد بعد إنذاره شهراً ينزع منه العقار ويسترد المبلغ الذي دفعه بعد خصم نسبة معينة من المبلغ.. وبالطبع فإن الغالبية يجدون أن هذه الأقساط الشهرية ضخمة وتفوق بكثير دخلهم الشهري لأنها تتوزع على فترة سداد قصيرة تمتد لعامين أو ثلاثة فقط كما أن الكثيرين منهم لايتوافر لديهم مقدم الشقة الذي قد يصل الى (30%) من قيمة الشقة.
    وانتقد الكثيرون من المشترين هذا الشرط الجزائي واعتبروا ذلك إجحافاً يمارسه المالكون على المشترين، وقال البعض إنهم اضطروا لقبول هذا الشرط لأنه لا يوجد بديل فكل الشركات العقارية تضعه ضمن بنود العقد.. بينما قال آخرون بأنهم تفاجأوا بوجود هذا الشرط بعد أن قطعوا شوطاً بعيداً في تسديد الأقساط ولم ينتبهوا له أثناء التوقيع والآن هم في حيرة من أمرهم بين أن يضغطوا على إمكانياتهم ويكملوا كل الأقساط أو أن ينسحبوا وترد لهم أقساطهم بعد خصم نسبة مقدرة منها.. في الحالين يقع الضرر.

    واستنكر البعض هذا الشرط واعتبروه تجميداً لأموال طائلة لا يستفيد منها المشتري إلا بعد عدة سنوات بينما يظل يدفع إيجاز المنزل الذي يسكن فيه.
    أين الضمان؟
    وأقر المهندس محمد سيد أحمد مدير شركة النصر للتمليك العقاري بأن هذا الشرط لابد من وجوده في العقد حتى تضمن الشركة العقارية سداد كل الأقساط بينما المشتري يمكن أن يقاضي الشركة العقارية إذا أخلت ببنود العقد خاصة إذا كانت تلك الشركة تتبع لأحد البنوك مثل شركة النصر التي يمتلكها بنك أمدرمان الوطني. وأشار الى أهمية أن تلزم الدولة كل الشركات العاملة في مجال العقارات بوجود ضمان من أحد البنوك فهو من ناحية يضمن للمشتري حقه ويمول الشركة العقارية ويوفر لها المعينات الأخرى.
    عدم التزام بالأقساط
    فيما أبان مدير شركة الحجاز للإنشاء والتعمير أن شرط التسليم بعد سداد الأقساط جاء بناء على تجارب مع بعض المشترين الذين لم يلتزموا بسداد الأقساط حينما استلموا الشقق.. وقال إننا نعمل حفاظاً على سمعتنا التي عملنا بها في كثيرمن الدول وأنشأنا العديد من الأبراج السكنية، وفي السودان لدينا أربعة أبراج تم تسليمها للمشترين وأخرى تحت التشطيب.
    وتحدث بعض المشترين عن ارتفاع أسعار الشقق رغم المساحات الواسعة التي يتمتع بها السودان ومواد البناء التي تُصنّع محلياً كالأسمنت والسيراميك إذ يتراوح سعر الشقة المكونة من ثلاث غرف وحمامين وهول ما بين «200» ألف الى «400» ألف دولار وتضع بعض الشركات العقارية شرطاً بزيادة السعر إذا زاد سعر الدولار، بينما لا تخفض السعر إذا انخفض سعر الدولار.
    وتساءلوا لماذا لا توجد مصارف عقارية توفر قروضاً لشراء العقارات بحيث يتم السداد على أمد بعيد من «10» الى «20» سنة مثل ما هو الحال في كثير من الدول؟
    الأسعار مرتفعة
    يرد محمد سيد أحمد مدير شركة النصر العقارية إرتفاع سعر السقف بإرتفاع سعر الأراضي فهي تتجاوز أسعار أراضي الأمارات ودول الخليج وأمريكا أيضاً.. فارتفاع سعر الأرض يزيد من سعر الشقة بصورة مباشرة كما أن الكثير من مواد البناء لا تنتجها بل تستوردها وجماركها عالية جداً وخاصة مواد التشطيب وكابلات الكهرباء وأنابيب المياه والصرف الصحي.. لذا لابد ان نشجع البنوك للدخول في مثل هذه الاستثمارات حتى تقل التكلفة لدى المواطن العادي كما يحدث في العديد من الدول.
    اشكاليات الصيانة
    وبرغم هذه المشكلات التي أثارها المشترون إلا أن المشكلة الأساسية التي يخشاها سكان الأبراج الجديدة هي إمكانية تدهور خدمات وصيانة البنايات الجديدة مع مرور الوقت. ولأن ظاهرة السكن في أبراج شيء جديد ودخيل على الحياة السودانية فإن صيانة الخدمات المشتركة في العمارة مثل المصعد والدرج «السلم» والإضاءة الخارجية والحدائق حول المبنى والصرف الصحي متروكة حالياً للجهد الشخصي لبعض السكان الناشطين، فالسكان عادة يكونون لجاناً تتولى جمع المال اللازم للصيانة والخدمات ثم تأجير عمال بطريقة فردية للقيام بالصيانة والنظافة.. ولكن هذه الطريقة غالباً تواجهها مشكلات فقد لا يتفق سكان العمارة على المبدأ أو يختلفون في المبلغ أو طريقة الدفع فتتدهور الخدمات وتتعطل.
    وتحدث كثيرون بأنهم يواجهون هذه المشكلات حتى طفحت آبار الصرف الصحي وأصبحت بيئة البرج أو العمارة غير صالحة للسكن، وآخرون تعطلت مصاعدهم وتوجد مشكلات في توصيلات الكهرباء والمياه التي قد تنقطع عدة أيام.
    وتساءلوا: لماذا لا تهتم الشركات العقارية بهذا الأمر الذي بسببه يمكن ان تنهار العمارة؟ محمد سيد أحمد مدير شركة النصر أكد اهتمامهم بهذا الجانب، لذا اهتمت شركة النصر بأن أدخلت بند المحافظة على الخدمات بعد تسليم العقار حيث توجد لجنة بالتنسيق مع الملاك تشرف على الخدمات وتعالج الأعطال التي تحدث في الصرف الصحي والمصاعد وصهاريج المياه ويستمر العمل لـ«15» عاماً في كل برج.
    إتحاد الملاك
    ونحن من جانبنا نتساءل لماذا لا تستمر هذه الخدمة للأبد مقابل مبلغ من المال يدفعه المشتري سنوياً أو شهرياً يدار بواسطة إتحاد الملاك يقوم بتقديم كل الخدمات المطلوبة والصيانة الدورية؟
    هذه الخدمة حاولت أن تقوم بها إحدى الشركات العقارية بعد أن خصمت مبالغ من المال، لكنها لم تسلمها لإتحاد الملاك بل احتفظت بها وتعهدت للملاك بالقيام بالصيانة والخدمات الأخرى، ولكنالملاك انتقدوا هذا الأمر خاصة ان صاحب الشركة رفع قيمة هذه الخدمة واشترط عدم تسليم العقار ما لم تسدد القيمة التي اعتبرها الملاك باهظة التكلفة.
    إزاء هذه المشكلات التي يواجهها ملاك الشقق ستتجه الغالبية لشراء قطعة أرض وإنشاء منزل عليها وإن كان صغيراً لتوافر مزايا امتلاك الأرض والتحكم في زمن البناء بحيث يمكن تأجيله الى أن يتوافر المال اللازم ثم الابتعاد عن مشكلات الخدمات المشتركة التي يمكن ان تتعطل وتخلق بيئة غير صالحة للسكن، وحتى تظهر بنوك تتخصص في القروض العقارية بأجل بعيد المدى، فسيظل تمليك شقق بالتقسيط في السودان ظاهرة محدودة في أوساط الطبقة الميسورة.

     الرأي العام